Back to all Post

التعاون في العمل الخيري والعطاء المنظم كيف يمكننا تعزيز الشراكات الاستراتيجية لتحقيق الأثر؟

1. العمل الخيري في العصر الحديث

التبرع، العطاء المنظم والعمل الخيري هم جزء حيوي من المجتمعات الحديثة، حيث يساعدوا في معالجة القضايا الاجتماعية والاقتصادية لدعم الفئات الأكثر احتياجًا. في السنوات الأخيرة، أصبح العمل الخيري أكثر تعقيدًا واستراتيجية، فانتقل من تقديم التبرعات التقليدية إلى استثمارات استراتيجية تهدف إلى تحقيق أثر مستدام عبر جهودٍ منسقة وشراكات بين القطاعين العام والخاص والجمعيات والمنظمات الأهلية غير الحكومية.

وفقًا لتقرير Global Philanthropy Report  لعام 2023، بلغت التبرعات الخيرية 841 مليار دولار في عام 2020. يُظهر هذا الحجم الكبير من التبرعات مساهمة العمل الخيري في تحقيق تأثير إيجابي في شتى مجالات التنمية الاقتصادية والاجتماعية.

 

قديماً، كان العمل الخيري يرتكز على التبرعات الفردية والمساعدات الإنسانية الفورية. أما اليوم، فقد شهد هذا المجال تحولاً جذرياً نحو مزيد من الاستراتيجية والتخطيط الدقيق من حيث تحديد الأهداف واستثمار الموارد لتحقيق نتائج مستدامة وطويلة الأمد.

2. دور التعاون في تعزيز الأثر الاجتماعي

التعاون في العمل الخيري يشير إلى تضافر الجهود بين المؤسسات لتحقيق أهداف مشتركة في مجالات العطاء الاجتماعي والتنموي المنظم. إن الحاجة الى التعاون في العمل الخيري أصبحت أكثر الحاحاً في ظل التحديات المتزايدة التي تواجه المجتمعات حول العالم. فمن خلال التعاون الفعال، يتم  تبادل المعرفة والموارد والخبرات، مما يعزز من فعالية البرامج ويضمن استدامتها.

بحسب دراسة أجرتهاPhilanthropy Roundtable ، فإن الشراكات الاستراتيجية بين المؤسسات تؤدي إلى تحسين أداء البرامج بنسبة تصل إلى 50%، وبالتالي تمكين المؤسسات الخيرية من زيادة الأثر وتوسيع نطاق الاستفادة من الخبرات المتاحة لتطوير مشاريع أكثر كفاءة في مواجهة التحديات المجتمعية.

فمثلاً، يمكن للشراكات أن  تقدم  الموارد المالية والخبرات التقنية، بينما تقدم الجمعيات والمنظمات غير الحكومية المعرفة المحلية والخبرة الميدانية. وعند دمج هذه  القدرات المتنوعة، يصبح من الممكن تحقيق حلول شاملة ومستدامة. تلبي احتياجات المجتمعات بشكل أفضل.

في قدرة، نسعى دائماً الى ربط المتبرعين العرب مع المنظمات الخيرية المحلية والدولية لتعزيز المشاريع التنموية في مجالات مثل التعليم، التشغيل، الأمن الغذائي والصحة، والمشاريع الأكثر حاجة، التي تتمتع بالشفافية والكفاءة في التنفيذ من خلال خلق نظام بيئي متكامل للتعاون، نحن نساهم في تعظيم الأثر الجماعي للعطاء.

3. مكونات الشراكات الاستراتيجية في العمل الخيري

تعد الشراكات الاستراتيجية ركيزة أساسية في العمل الخيري الحديث، حيث تسهم بشكل كبير في تحقيق الأهداف المجتمعية المشتركة. وتكمن فعالية هذه الشراكات في تكامل عدة عناصر رئيسية:

  •  العطاء التعاوني

يعد العطاء التعاوني أحد الأعمدة الرئيسية  للشراكات الاستراتيجية. من خلال دمج الموارد المالية، يمكن دعم وتمويل مشاريع أكبر وأكثر تأثيراً. ومن الأمثلة البارزة على ذلك برنامج الدعم التكميلي او مضاعفة التبرعات Matching Grants ، حيث يتم مضاعفة التبرعات المقدمة لجمعيات ومؤسسات مجتمع مدني مختارة من قبل الداعمين مما يزيد من الأثر المالي والاجتماعي.

  •  التخطيط الاستراتيجي المشترك

يعتبر التخطيط الاستراتيجي المنسق مفتاح النجاح لأي شراكة. يجب أن تتعاون المؤسسات الخيرية والشركات في وضع خطة واضحة متناغمة تتضمن تحديد أهدافًا مشتركة، وسبل تحقيقها، و آليات قياس النجاح.

  •  برامج التبرع

تشكل برامج التبرع أحد أشكال التعاون بين الشركات وصناديق الدعم والجمعيات، حيث تساهم الشركات بجزء من أرباحها أو منتجاتها لدعم مشاريع خيرية في المجتمعات الأكثر احتياجاً، مما يخلق تفاعلاً ملموساً بين العمل التجاري والمسؤولية الاجتماعية.

  •  استخدام التكنولوجيا

تلعب التكنولوجيا دوراً محورياً في تسهيل التعاون بين الشركاء وتعزيز فعالية الشراكات. بالإضافة فهي تساعد في إدارة العلاقات مع المتبرعين وتتبع الأثر الاجتماعي للمشاريع وتتيح تحليل البيانات بفعالية، مما يساهم في قياس التأثير وتحديد التحديات التي قد تواجه المشاريع وبالتالي تحسين الأداء والتأثير المجتمعي.

4. كيف تسهم الشراكات في تعزيز الأثر الاجتماعي؟

تعد الشراكات الاستراتيجية من  أهم الأدوات التي تزيد من فعالية العمل الخيري وتعمق تأثيره على المجتمعات. من خلال هذه الشراكات، تتعاون مؤسسات المجتمع المدني، والشركات، والمؤسسات الرسمية والحكومية لتحقيق أهداف مشتركة مما يؤدي إلى نتائج أكبر وأكثر استدامة. يتمثل الأثر الرئيسي للشراكات في قدرتها على جمع الموارد المالية والبشرية من مختلف الأطراف، بالإضافة الى تبادل الخبرات والمعرفة، مما يساهم في مضاعفة الأثر الاجتماعي.

تتيح الشراكات توزيع الأدوار والمسؤوليات بشكل متوازن بين الشركاء، حيث يسهم كل طرف بما يجيده. فعلى سبيل المثال، قد تقدم إحدى الشركات التمويل اللازم لمشروع خيري، بينما تتولى الجمعية مسؤولية تنفيذ البرامج بخبرتها الميدانية، في حين تقدم المؤسسات الرسمية، سواءًا الحكومية او المحلية التسهيلات القانونية أو البنية التحتية. هذا التكامل بين الأطراف يجعل الشراكات أداة قوية وفعالة لتقديم حلول شاملة ومستدامة، تعزز من تأثير العمل الخيري وتجعله أكثر ديمومة.

5. التحديات التي تواجه الشراكات الخيرية

على الرغم من أهمية التعاون في العمل الخيري، إلا أن هناك تحديات رئيسية يجب التغلب عليها لضمان نجاح الشراكات. من أبرز هذه التحديات:

  •  اختلاف الأهداف

قد يحدث في بعض الأحيان أن تكون أهداف المؤسسات الخيرية والشركات غير متوافقة تمامًا، مما يؤدي إلى تضارب في الأولويات. وللتغلب على هذا التحدي، ينبغي على الشركاء أن يحددوا أهدافاً مشتركة منذ البداية، مع تحديد دور ومسؤولية كل طرف بوضوح.

  •  قلة الثقة

تعتبر الثقة عنصراً جوهرياً في نجاح أي شراكة. وفي المراحل الأولى من التعاون، قد يكون من الصعب بناء الثقة بين الأطراف المختلفة، خصوصاً إذا كانت هذه الأطراف تأتي من خلفيات وثقافات متنوعة. ولتجاوز هذا التحدي، يجب أن تسود  الشفافية التامة بين الشركاء في جميع مراحل التعاون، بما يعزز الثقة ويؤسس لعلاقة شراكة متينة.

  •  التمويل غير المستقر

يعد التمويل غير المستقر أحد التحديات الكبرى التي تواجه المشاريع الخيرية المشتركة. ففي كثير من الأحيان، قد تؤدي التقلبات في الاقتصاد العالمي او المحلي إلى انخفاض التمويلات المتاحة، مما يستدعي تطوير نماذج تمويل مستدامة قادرة على الاستمرار حتى في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة.

لذلك، نسعى في قدرة إلى أن نكون المركز الذي يجمع بين المتبرعين والشركاء لتحقيق أهداف تنموية واضحة. من خلال منصاتنا المختلفة وتوجهنا نحو الابتكار والتعاون، نحن نعمل على بناء نظام بيئي يمكن من مواجهة التحديات بفعالية وتحقيق نتائج ملموسة على أرض الواقع.

وفي ظل هذا التوجه، يمثل مؤتمر قدرة السنوي القادم فرصة لمشاركة التجارب الناجحة والتعرف على أحدث الاتجاهات في العمل الخيري. فمن خلال الشراكات والتعاون المشترك، نستطيع جميعًا تعزيز التأثير الإيجابي والمستدام في مجتمعاتنا.

6. أدوات وأساليب لتعزيز التعاون في العمل الخيري

  •  أدوات التخطيط المشترك

إحدى الأدوات الرئيسية التي يمكن أن تساهم في تعزيز الشراكات الاستراتيجية هي تحليل SWOT، والذي يمكّن الشركاء من  تحديد نقاط القوة والضعف داخل كل منظمة، وتقييم الفرص والتهديدات الخارجية. من خلال تحليل SWOT، يمكن للجهات الخيرية والشركاء تقييم الفرص المشتركة والتحديات التي قد تعرقل تحقيق الأهداف، مما يسهم في تطوير خطط مشتركة أكثر كفاءة وفاعلية.

  • التمويل المشترك والعطاء التعاوني

يعد نموذج التمويل والدعم المشترك من النماذج الناجحة لتعزيز الشراكات الخيرية مثل نموذج (منح الدعم التكميلي). على سبيل المثال، إذا تبرعت إحدى الشركات او صناديق الدعم بمبلغ مالي لدعم مشروع خيري، يمكنها مضاعفة هذا المبلغ من خلال تشجيع جهات أخرى على تقديم تبرعات مشابهة. يساعد هذا النموذج في تحفيز الأفراد والمؤسسات على التبرع، حيث يدركون بأن مساهماتهم ستترك أثراً أكبر.

  •  التكنولوجيا والابتكار

أصبح الابتكار التكنولوجي أحد المحركات الرئيسة للتغيير  والتطور في مختلف المجالات، بما في ذلك العمل الخيري والتنمية المجتمعية. ومع التطور التكنولوجي السريع، تحولت التكنولوجيا لأداة قوية لتعزيز الابتكار في تقديم الحلول للتحديات المجتمعية، وتمكين الجمعيات ومؤسسات المجتمع المدني من تحسين أساليب عملها، وزيادةالفعالية، والوصول إلى جمهور أوسع.  

  •  إدارة البيانات وتقييم الأثر

أصبحت إدارة البيانات عنصراً أساسياً في العمل الخيري الحديث، حيث تُستخدم البيانات لتحديد الاحتياجات المجتمعية، تتبع التقدم، وتقييم الأثر الذي تُحدثه المشاريع الخيرية والاجتماعية. يساعد استخدام التكنولوجيا في إدارة البيانات على  تحليل الكم الهائل من المعلومات المتاحة، مما يدعم اتخاذ قرارات مستنيرة تستند الى الأدلة والبيانات الدقيقة.

7. نحو مستقبل أكثر تعاونًا في العمل الخيري والعطاء المنظم

  • في ظل تزايد الحاجة إلى حلول مبتكرة لمعالجة القضايا الاجتماعية والاقتصادية في العالم المعاصر، بات من الضروري أن يتبنى العمل الخيري الشراكات الاستراتيجية كأداة رئيسة لتحقيق تأثير ملموس ومستدام. لم يعد بإمكان الجمعيات والمؤسسات الخيرية الفاعلة الاعتماد فقط على التبرعات أو الجهود الفردية؛ بل يجب أن تسعى إلى تعزيز التعاون مع القطاعات المختلفة، الرسمية والشركات الخاصة، والمنظمات الأهلية والمدنية لتحقيق نتائج أوسع وأكثر شمولية.

    •  التحول نحو شراكات استراتيجية متكاملة

    تتطلب الشراكات الاستراتيجية استغلال جميع الموارد المتاحة بطريقة منظمة ومنسقة. فعلى سبيل المثال، يمكن للشراكات أن  تقدم  الموارد المالية والخبرات التقنية، بينما تقدم الجمعيات المعرفة المحلية والخبرة الميدانية. وعند دمج هذه القدرات المتنوعة، يصبح من الممكن  تحقيق حلول شاملة ومستدامة.

    •  تعزيز الشفافية والمساءلة

    تعتبر الشفافية ركيزة أساسية لأي شراكة ناجحة. فعندما تكون العمليات واضحة، ويكون  جميع الشركاء على دراية بكيفية استخدام الموارد وتوزيعها، تتعزز الثقة بين الأطراف، ويصبح التعاون أكثر فعالية.  يمكن استخدام أدوات التحليل والتقارير مثل التحليل البياني وتقنيات تتبع التبرعات لتحسين مراقبة المشاريع وضمان تحقيق الأهداف بكفاءة وفعالية.

    •  الابتكار والتكنولوجيا

    يلعب الابتكار التكنولوجي  دورًا جوهرياً في تسهيل التعاون وتطوير أساليب جديدة لتحقيق الأهداف. فعلى سبيل المثال، يمكن استخدام المنصات الرقمية لتتبع التبرعات وزيادة الشفافية. كما يمكن  لأدوات الذكاء الاصطناعي تحليل البيانات وتقديم تقارير شاملة حول الأثر الاجتماعي للمشاريع، مما يسهم في عملية اتخاذ القرار وتوجيه الموارد نحو المجالات الأكثر احتياجاً.

    •  توجيه الجهود لتحقيق التنمية المستدامة

    تحقيق الأثر الاجتماعي  لا يقتصر على تقديم المساعدات أو الدعم المالي فقط، بل يتطلب التخطيط الاستراتيجي طويل الأمد لضمان استدامة المشاريع. على المؤسسات الخيرية أن تركز على معالجة القضايا الجوهرية التي تؤثر على التنمية المجتمعية مثل التعليم، والصحة، والمساواة، والعمل على بناء شراكات قوية مع مختلف القطاعات لضمان تحقيق التغيير المستدام الذي يخدم الأجيال القادمة.